قمع المدافعين عن حقوق الإنسان في الجزائر: انتهاك للحقوق وتهديد للعدالة
صوت العرب 24 – ابراهيم زوركان/ الجزائر
في الجزائر، تثير قضية القمع المتزايد ضد المدافعين عن حقوق الإنسان العديد من النقاشات والجدل على وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمع المحلي. رغم الإصلاحات السياسية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، إلا أن الاعتقالات المستمرة ومضايقات السلطات تجاه الناشطين الحقوقيين تظل تشكل تهديدًا خطيرًا للحقوق الأساسية وحريات التعبير. تعد هذه الممارسات من أكبر التحديات التي تواجه الجزائر في سعيها لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي ودعم عملية التحول الديمقراطي.
التحديات القانونية في مواجهة المدافعين عن حقوق الإنسان
رغم التقدم الذي حققته الجزائر في بعض الجوانب السياسية والاجتماعية، مثل السماح ببعض الإصلاحات السياسية التي تم تنفيذها في السنوات الأخيرة، فإن الحقوق الأساسية و حرية التعبير تظل مهددة بسبب القوانين والممارسات القمعية التي تنتهجها الحكومة. وتعد المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري من أكثر المواد المثيرة للجدل، إذ تتيح للسلطات استخدامه بشكل مفرط ضد كل من يجرؤ على التعبير عن معارضته للنظام الحاكم. المادة 87 مكرر تُستخدم بشكل أساسي ضد النشطاء السياسيين والصحفيين، ووصفتها منظمات حقوق الإنسان بأنها أداة قمعية تهدد الحريات الفردية.
أبرز الأمثلة على القمع
جميلة لوكيل، الناشطة الحقوقية الجزائرية البارزة، تمثل أحد أبرز الأمثلة على هذا القمع. في العام 2023، تم توقيفها بتهمة “التحريض على الإرهاب” بعد مشاركتها في مظاهرات تطالب بإصلاحات سياسية في البلاد. لوكيل كانت من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان في الجزائر، وقد استخدمت منصات التواصل الاجتماعي كأداة للتنديد بالممارسات القمعية التي تقوم بها السلطات. كان هدفها الرئيسي هو إيصال صوت الفئات المستضعفة في المجتمع الجزائري، خاصة في ظل غياب المساحة السياسية الحرة. ورغم أن المحكمة قضت ببراءتها في النهاية، إلا أن توقيفها كان بمثابة رسالة واضحة للنشطاء السياسيين في البلاد مفادها أن أي شخص يعارض الحكومة قد يتعرض للتهديد والاعتقال.
أما في نوفمبر 2024، فكان هناك اعتقال آخر أثار موجة من الغضب في الجزائر، حيث تم اعتقال عبد الرزاق بودراع، الكاتب والصحفي المستقل الذي كان قد نشر عدة مقالات تنتقد الحكومة الجزائرية، وتحديدًا حول التحديات التي تواجهها الجزائر في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. اعتُبر بودراع تهديدًا للنظام بسبب نشاطه الصحفي المستقل الذي يسعى إلى رفع الوعي حول القضايا السياسية والاجتماعية في الجزائر. هذه الحملة ضد الصحفيين والكتاب المستقلين تأتي في وقت حساس بالنسبة للجزائر، حيث كانت البلاد في خضم محاولات إصلاح سياسي داخلي.
استخدام المادة 87 مكرر ضد المدافعين عن الحقوق
المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائرية هي أداة قمعية تستهدف المعارضين السياسيين. فهي تتيح للسلطات اتهام أي شخص يتحدى النظام الحاكم بالتورط في الإرهاب، وهو تهمة يمكن أن تكون غامضة وغير دقيقة، مما يجعل الدفاع عن الحقوق صعبًا في محاكمات غير عادلة. وُظفت هذه المادة بشكل مفرط ضد الحقوقيين مثل سعيد بودور و كادور شوشة، اللذين تم اعتقالهما في وقت سابق بتهم مماثلة. وتبقى هذه القوانين مادة للجدل في المجتمع الجزائري، حيث يرى المعارضون أنها تشكل عقبة رئيسية في طريق تعزيز الديمقراطية و العدالة الاجتماعية في البلاد.
التأثير على المجتمع الدولي والعلاقات مع المنظمات الحقوقية
الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان و قمع حرية التعبير في الجزائر تشكل تحديًا ليس فقط للمدافعين المحليين عن الحقوق، بل أيضًا لعلاقات الجزائر مع المنظمات الدولية. في تقرير صدر عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ديسمبر 2023، أُشير إلى أن الجزائر فشلت في حماية حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان، وأن القيود الصارمة على الحريات تعرقل الإصلاحات السياسية والاجتماعية في البلاد. وأكد التقرير أن هذه السياسات تؤثر بشكل سلبي على التحول الديمقراطي الذي تسعى الجزائر لتحقيقه.
التقرير الأممي سلط الضوء على ضرورة إجراء مراجعة قانونية للمادة 87 مكرر، كما أكد على أهمية التزام الجزائر بالتعهدات التي قطعتها في مجال حقوق الإنسان، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. النقاشات حول هذه القوانين القمعية تتزايد على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يعبر الكثيرون عن قلقهم إزاء التراجع في مجال الحريات السياسية والإعلامية في البلاد.
ردود الفعل من المجتمع المدني والصحافة
تُعتبر الصحافة المستقلة والمجتمع المدني من أكبر المتضررين من هذه السياسات القمعية. الصحفيون والناشطون السياسيون في الجزائر يعانون من تهديدات مستمرة على حياتهم المهنية والشخصية، حيث يُعتقل بعضهم ويُضطهد آخرون بسبب نشرهم مقالات أو بيانات تنتقد الحكومة أو تسلط الضوء على الممارسات القمعية. ومن بين الأمثلة البارزة على هذا، حملة التضامن مع عبد الرزاق بودراع، حيث نُظم العديد من الاحتجاجات في الجزائر وفي الخارج للمطالبة بإطلاق سراحه. وفي نفس السياق، عبّر العديد من الصحفيين عن قلقهم من تزايد الضغوط على وسائل الإعلام المستقلة، وهو ما يهدد القدرة على ممارسة الصحافة الحرة في البلاد.
آفاق المستقبل: هل يمكن أن تشهد الجزائر تحولات إيجابية؟
إن استمرار الانتهاكات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان و قمع حرية التعبير في الجزائر يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة مستعدة حقًا للمضي قدمًا في تنفيذ الإصلاحات السياسية التي وعدت بها في أكثر من مناسبة. ويُتوقع أن تستمر الضغوط من المنظمات الدولية والمجتمع المدني المحلي للمطالبة بتحقيق تقدم في مجال الحريات العامة و حقوق الإنسان.
من جهة أخرى، فإن المجتمع الجزائري أصبح أكثر وعياً بحقوقه الأساسية، حيث يتزايد الوعي العام حول القضايا المتعلقة بالحقوق السياسية والاجتماعية. يبقى أن نرى ما إذا كانت الضغوط الداخلية والخارجية ستؤدي إلى تغييرات حقيقية في سياسات الحكومة الجزائرية تجاه المدافعين عن الحقوق وحريات التعبير.
تعد قضية القمع المتزايد ضد المدافعين عن حقوق الإنسان في الجزائر من القضايا الأساسية التي تتطلب اهتمامًا أكبر على الصعيدين الداخلي و الدولي. في الوقت الذي تحاول فيه الجزائر تحسين وضعها السياسي والاجتماعي، تبقى الحرية السياسية و حرية التعبير في خطر دائم بسبب القوانين القمعية والاعتقالات المستمرة. إن نجاح الجزائر في تحقيق إصلاحات ديمقراطية حقيقية يتوقف على تغيير فعلي في سياستها تجاه النشطاء السياسيين وحقوق الإنسان، وهو ما يتطلب إرادة سياسية حقيقية من الحكومة لإنهاء هذه السياسات.