تعديلات المشهد السياسي والعسكري في موريتانيا: تغييرات شاملة تزعزع أركان النظام الجزائري

صوت العرب 24 – ليلى بن الرايس

شهدت موريتانيا في الأيام الأخيرة حراكاً سياسياً وإدارياً واسعاً، إذ أصدر الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، ليل الخميس، عدة مراسيم رئاسية شملت تغييرات هامة في قيادة المؤسسة العسكرية والأمنية. هذه التعديلات تزامنت مع عودته مباشرة من لقاء جمعه بالعاهل المغربي الملك محمد السادس، مما فتح الباب أمام تكهنات عديدة حول أبعاد هذه التغييرات ومدى تأثيرها على العلاقات الإقليمية، خاصة في ظل التخوف الجزائري الواضح، لا سيما من رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، من أي تقارب استراتيجي بين نواكشوط والرباط.

 

تغييرات عسكرية تعكس تحولات استراتيجية

التغييرات التي أقرها الرئيس ولد الغزواني تضمنت تعيين اللواء محمد فال ولد الرايس قائداً لأركان الجيوش، خلفاً للفريق مختار بله شعبان الذي أُحيل إلى التقاعد. يُنظر إلى هذا التعيين على أنه خطوة لتعزيز قدرات الجيش الموريتاني لمواجهة التحديات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي، التي تشهد تصاعداً في نشاط الجماعات الإرهابية.

كما شملت التعيينات تعيين اللواء إبراهيم فال ولد الشيباني قائداً للأركان الخاصة لرئيس الجمهورية، في إشارة إلى أهمية تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي في ظل الظروف الإقليمية الراهنة. وتم تكليف اللواء صيدو صمبا ديا بمنصب المدير العام للاستخبارات الخارجية، وهي خطوة تعزز دور موريتانيا كحلقة وصل استخباراتية في المنطقة، خاصة مع تزايد المخاطر الأمنية العابرة للحدود.

ومن ضمن التعيينات اللافتة، تعيين اللواء محمد محمود ولد الطايع قائداً لأركان الدرك الوطني، واللواء آبه ولد بابتي مفتشاً عاماً للقوات المسلحة وقوات الأمن، إلى جانب تكليف اللواء محمد المختار الشيخ مني قائداً مساعداً لأركان الجيش، والعقيد محمد الأمين محمد ابلال قائداً لكلية الدفاع لدول الساحل.

 

لقاء الغزواني بالملك محمد السادس

ما يميز هذه التعديلات هو توقيتها، حيث جاءت مباشرة بعد لقاء جمع الرئيس محمد ولد الغزواني بالعاهل المغربي الملك محمد السادس. اللقاء الذي يُوصف بأنه كان شاملاً ومثمراً، ركز على تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات الأمن والدفاع، فضلاً عن دعم جهود التنمية الاقتصادية المشتركة.

هذا اللقاء أعطى إشارات واضحة إلى تطور العلاقات المغربية-الموريتانية، وهو ما أثار قلق النظام الجزائري، خاصة رئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة. الجزائر تنظر بترقب لأي تقارب بين الرباط ونواكشوط، نظراً لتأثيره المباشر على موازين القوى الإقليمية، خصوصاً في ملف الصحراء المغربية، الذي تعتبره الجزائر محور سياستها الخارجية.

 

التخوف الجزائري من التقارب المغربي-الموريتاني

النظام الجزائري، الذي يعتمد سياسة استغلال الأزمات الإقليمية للحفاظ على نفوذه، يرى في التقارب المغربي-الموريتاني تهديداً مباشراً لطموحاته في المنطقة. شنقريحة تحديداً يشعر بالقلق من التغييرات العسكرية الأخيرة في موريتانيا، التي قد تمهد لتنسيق أمني وعسكري أوسع مع المغرب.

التعاون العسكري بين البلدين قد يضع الجزائر في موقف صعب، خاصة وأن موريتانيا تلعب دوراً محورياً في منطقة الساحل الإفريقي، التي تشهد صراعاً على النفوذ بين قوى دولية وإقليمية. التعيينات الجديدة في المؤسسة العسكرية الموريتانية قد تكون جزءاً من استراتيجية لتقوية الجبهة الداخلية، وضمان التنسيق مع الحلفاء الإقليميين مثل المغرب.

 

التعديلات القانونية للأحزاب السياسية: خطوة أخرى مثيرة للجدل

إلى جانب التغييرات العسكرية، صادق مجلس الوزراء الموريتاني على مشروع قانون جديد لتعديل أحكام قانون الأحزاب السياسية. التعديلات تضمنت رفع عدد أعضاء الجمعية التأسيسية للحزب من 20 إلى 150 مواطناً، وتزكية برنامج الحزب من قبل 5 آلاف مواطن ينتمون إلى نصف ولايات الوطن على الأقل.

هذه التعديلات، رغم ما تحمله من أهداف تنظيمية، قوبلت بانتقادات واسعة من المعارضة، التي اعتبرتها محاولة لتقييد الحريات السياسية. النائب البرلماني بيرام ولد الداه اعبيدي وصف التعديلات بأنها خطوة لإغلاق الباب أمام ترخيص أي حزب سياسي جديد، مما يهدد التعددية السياسية التي عُرفت بها موريتانيا منذ عام 1991.

 

تأثير التعديلات على العلاقات الإقليمية

التعديلات السياسية والعسكرية الأخيرة في موريتانيا قد تضعها في مواجهة مباشرة مع الضغوط الجزائرية. النظام الجزائري يدرك أن أي تقارب بين نواكشوط والرباط قد يعزز موقف المغرب في ملف الصحراء، ويضعف موقف الجزائر، التي تراهن على دعم بعض القوى الإقليمية لموقفها.

من جهة أخرى، فإن تعزيز التنسيق الأمني بين المغرب وموريتانيا قد يسهم في تحسين الاستقرار في منطقة الساحل، ما قد يُبعد النفوذ الجزائري عن المنطقة، ويُضعف محاولاتها لاستغلال الجماعات المسلحة كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية.

خلاصة

تأتي التغييرات العسكرية والسياسية الأخيرة في موريتانيا في توقيت حساس يعكس ديناميكية المشهد الإقليمي. بينما تسعى موريتانيا لتعزيز قدراتها الداخلية والتعاون مع حلفائها، تبقى الجزائر متوجسة من أي خطوات قد تُضعف نفوذها الإقليمي. في ظل هذه التطورات، يبدو أن العلاقات الموريتانية-المغربية مرشحة لمزيد من التطور، مما قد يُعيد رسم ملامح التوازنات الإقليمية في شمال وغرب إفريقيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى