التحول التاريخي في سوريا: أحمد الشرع يوحد الفصائل المسلحة تحت إشراف وزارة الدفاع
صوت العرب 24 – دمشق
شهدت سوريا تحوّلاً تاريخياً بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، حيث تمكن أحمد الشرع، القائد الفعلي للبلاد وزعيم هيئة تحرير الشام، من إحداث تطور غير مسبوق في تاريخ الأزمة السورية. يتمثل هذا التطور في الإعلان عن حل جميع الفصائل المسلحة ودمجها تحت إشراف وزارة الدفاع، وفقاً لاتفاق تم التوصل إليه بين الإدارة السورية الجديدة وقادة الفصائل. هذا التحرك يعد خطوة أساسية نحو توحيد القوى العسكرية في البلاد، وإعادة بناء مؤسسات الدولة التي عانت من التشتت والانقسام على مدار أكثر من عقد من الزمن.
الإعلان عن توحيد الفصائل: خطوة نحو الاستقرار
أعلنت الإدارة العامة السورية الجديدة يوم الثلاثاء أن الاجتماع بين أحمد الشرع وقادة الفصائل المتمردة أسفر عن اتفاق تاريخي لحل الفصائل ودمجها ضمن كيان موحد تحت إشراف وزارة الدفاع. ويأتي هذا القرار في سياق جهود حثيثة لتعزيز الوحدة الوطنية وإعادة بناء هيكلية القوات المسلحة التي عانت من انشقاقات وصراعات داخلية طوال سنوات الحرب الأهلية.
منذ سقوط نظام الأسد، كانت مسألة توحيد الجماعات المسلحة في سوريا تحدياً كبيراً أمام الحكومة المؤقتة. فبعد أكثر من 13 عاماً من القتال بين مختلف الفصائل، كان من الصعب بناء الثقة بينها وضمان تعاونها في إطار موحد. ومع ذلك، يبدو أن الشرع قد نجح في تحقيق هذا الهدف من خلال سلسلة من المحادثات والمفاوضات المكثفة.
استثناء قوات سوريا الديمقراطية من الاتفاق
رغم أهمية الاتفاق الذي تم التوصل إليه، فإن قوات سوريا الديمقراطية (SDF) بقيت خارج هذا الإطار. هذه القوات، التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال شرق سوريا وتتمتع بدعم مباشر من الولايات المتحدة، لا تزال تحتفظ باستقلالها العسكري والإداري. ويمثل هذا الوضع تحدياً إضافياً أمام الجهود الرامية لتوحيد البلاد تحت قيادة واحدة.
الشرع من جانبه أكد في تصريحات سابقة أنه يسعى إلى ضم جميع القوى المسلحة، بما فيها قوات سوريا الديمقراطية، تحت سيطرة الدولة. لكنه شدد أيضاً على أهمية احترام مصالح الأكراد وضمان حقوقهم ضمن إطار الدولة السورية الجديدة.
إعادة هيكلة وزارة الدفاع
في إطار إعادة بناء مؤسسات الدولة، أعلن رئيس الوزراء محمد البشير أن وزارة الدفاع ستتم إعادة هيكلتها لتشمل الفصائل المتمردة السابقة وضباط الجيش المنشقين عن نظام الأسد. وتم تعيين مرحف أبو قسرة، أحد الشخصيات البارزة في التمرد ضد الأسد، وزيراً للدفاع في الحكومة المؤقتة.
هذا التحرك يهدف إلى تحقيق التوازن داخل الجيش السوري الجديد، حيث ستدمج الكفاءات والخبرات من مختلف الأطراف لضمان بناء قوة عسكرية قادرة على حماية وحدة البلاد واستقرارها.
ردود الفعل الدولية على التطورات الجديدة
منذ الإعلان عن هذه التحولات، توافدت ردود الفعل الدولية، حيث أبدى مسؤولون غربيون قلقهم من الدور الذي قد تلعبه هيئة تحرير الشام في المشهد السياسي السوري. ومع ذلك، سعى أحمد الشرع إلى طمأنة المجتمع الدولي، مؤكداً أن هيئة تحرير الشام قد تخلت عن ارتباطها السابق بتنظيم القاعدة، وأنها ملتزمة بمبادئ التعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان.
وفي لقاءات مع مسؤولين غربيين، شدد الشرع على أن الحكومة المؤقتة تركز حالياً على إعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية، وأنها لن تسعى للانتقام من النظام السابق أو قمع الأقليات الدينية. هذا التوجه الجديد قد يسهم في تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، مما يعزز من فرص تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
التحديات المقبلة أمام الحكومة المؤقتة
رغم الإنجازات التي حققتها الإدارة الجديدة، فإنها تواجه تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة.
التحدي الاقتصادي:
سوريا بحاجة ماسة إلى إعادة إعمار بنيتها التحتية التي دمرتها الحرب، إضافة إلى توفير الخدمات الأساسية للسكان. تحقيق ذلك يتطلب تعاوناً دولياً وإقليمياً.
التحدي الأمني:
بقاء قوات سوريا الديمقراطية خارج إطار الدولة يثير تساؤلات حول إمكانية تحقيق استقرار شامل. كما أن خطر التنظيمات المتطرفة لم يختفِ تماماً.
التحدي السياسي:
بناء نظام سياسي شامل يضمن تمثيل جميع مكونات المجتمع السوري يتطلب حواراً وطنياً واسع النطاق، وهو ما قد يواجه عقبات بسبب تباين المصالح والتوجهات.
الآمال المعلقة على الحكومة الجديدة
مع تشكيل حكومة مؤقتة بقيادة أحمد الشرع، يتطلع الشعب السوري إلى مستقبل أكثر إشراقاً بعد سنوات من الصراع والمعاناة. الحكومة الجديدة تواجه مسؤولية كبيرة في تحقيق تطلعات الشعب وإعادة بناء الدولة على أسس قوية ومستدامة.
منذ استيلاء المعارضة على دمشق في 8 ديسمبر 2024، بدأ فصل جديد في تاريخ سوريا. وبينما لا تزال هناك عقبات كبيرة، فإن الخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن تشير إلى إمكانية بناء مستقبل مستقر ومزدهر للبلاد.
خلاصة :
توحيد الفصائل المسلحة تحت إشراف وزارة الدفاع يمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ سوريا الحديث. وبقيادة أحمد الشرع، يبدو أن البلاد تسير في اتجاه إيجابي يهدف إلى تحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار. ومع ذلك، فإن النجاح في هذه المهمة يتطلب تعاوناً داخلياً ودعماً دولياً، فضلاً عن قدرة الحكومة المؤقتة على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تنتظرها.
باتت سوريا أمام فرصة حقيقية لإعادة بناء نفسها بعد سنوات طويلة من الحرب والدمار. ويبقى السؤال الآن: هل ستتمكن القيادة الجديدة من استغلال هذه الفرصة لتحقيق السلام والتنمية .