فساد المحيط المقرب من قيس سعيد: أزمة جديدة تهدد مصداقية السلطة في تونس
صوت العرب 24 – تونس / ليلى الطرابلسي
تعيش تونس في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة، حيث ارتفعت معدلات البطالة وتدهورت الظروف المعيشية بشكل كبير. وفي هذه الأوقات الصعبة، تتزايد التساؤلات حول مصداقية الحكومة التونسية في محاربة الفساد، خاصة في ظل تنامي الشبهات حول المحيط المقرب من الرئيس قيس سعيد، الذي وصل إلى السلطة عام 2019 مستندًا إلى شعارات محاربة الفساد وإعادة بناء الدولة على أسس العدالة والمساواة. ولكن الواقع يبدو مغايرًا لما وعد به، حيث يتزايد الحديث عن فساد مستشرٍ في دوائر السلطة، واستغلال النفوذ من قبل المقربين من الرئيس.
شبكة فساد تحيط بالرئاسة
من أبرز القضايا التي أثارت موجة من الاستياء والغضب في الشارع التونسي، هي الاتهامات التي وجهت إلى أحد المسؤولين الأمنيين البارزين في الرئاسة، والمعروف اختصارًا بـ “خ.ي”، والذي يُعد من أبرز المقربين للرئيس قيس سعيد. وفقًا لتقارير نشرتها صفحة “المارد التونسي لتطهير الداخلية”، يُتهم هذا المسؤول بالتورط في شبكة فساد واسعة، حيث كان يتدخل لصالح المدعوة “نزهة.ب”، صاحبة وكالتي تأجير السيارات وشركة أسفار، وذلك لتحقيق مكاسب غير قانونية على حساب المال العام.
التقارير تشير إلى أن العلاقة الشخصية بين المسؤول الأمني و”نزهة.ب” كانت دافعًا لتحقيق الأخيرة لمكاسب شخصية، بما في ذلك الحصول على تصاريح استثنائية للحج، وهو ما يعد انتهاكًا صارخًا للشفافية والنزاهة. هذا التلاعب تسبب في موجة من الغضب في الأوساط الشعبية، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس، والتي تشهد ارتفاعًا حادًا في معدلات البطالة والفقر.
التلاعب بنظام القرعة للحج
إحدى الفضائح التي طالت المسؤول الأمني “خ.ي” تتعلق بتلاعبه بنظام القرعة المخصص لتوزيع تصاريح الحج على المواطنين. بحسب المعلومات المتداولة، قام المسؤول بتسفير شقيقته إلى الحج عبر التلاعب بنظام القرعة، وهو ما يمثل استغلالًا غير مقبول للسلطة والمناصب العامة. هذا التلاعب كشف عن حجم الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية، حيث يُتهم المسؤول بتأمين حصص كبيرة من تصاريح الحج لصالح وكالة الأسفار التي تمتلكها المدعوة “نزهة.ب”. هذا التلاعب حول إحدى أقدس الشعائر الدينية إلى مصدر لتحقيق أرباح شخصية، مما أثار استهجانًا واسعًا في المجتمع التونسي.
استغلال المناصب العامة لتحقيق مكاسب خاصة
الأحداث التي ظهرت تتعلق بمسؤول الأمن الرئاسي ليست سوى جزء من شبكة فساد أوسع. وفقًا للتحقيقات والوثائق المسربة، يبدو أن هناك استخدامًا غير قانوني للسلطة من أجل تسهيل عقود وصفقات لصالح شركات المدعوة “ب.ي”، إحدى الشركات التي ترتبط بعلاقة وثيقة مع المسؤول الأمني. هذا الأمر يثير تساؤلات حول مدى جدية الرئيس قيس سعيد في محاربة الفساد داخل دائرته المقربة، خاصة في ظل تصريحاته المستمرة التي تندد بمنظومة الفساد القائمة، وتتعهد بتطهير مؤسسات الدولة.
هذه الفضائح تضع الرئيس قيس سعيد في موقف حرج، حيث تُظهر تناقضًا واضحًا بين الخطاب الذي تبناه عند وصوله إلى السلطة وبين الواقع الذي يعيشه المواطن التونسي اليوم. لم يعد بإمكان الحكومة تجاهل هذه الفضائح التي تمس مصداقيتها، خصوصًا في ظل حالة من التدهور الاقتصادي والاجتماعي تعيشها البلاد.
الأزمة الاقتصادية وانعكاسات الفساد
تونس، التي تمر بأزمة اقتصادية حادة بسبب عدة عوامل، من أبرزها تراجع النمو الاقتصادي، وزيادة الديون العامة، وتعثر المفاوضات مع المؤسسات الدولية، تجد نفسها في وضع أكثر تعقيدًا نتيجة لتفاقم الفساد داخل مؤسسات الدولة. حيث يُتوقع أن يؤدي استمرار هذا الفساد إلى إضعاف ثقة المواطن التونسي في قدرة الحكومة على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
الفساد الذي يشمل استغلال المناصب العامة لتحقيق مكاسب خاصة يعمق حالة عدم الثقة بين الشعب والنظام الحاكم. في ظل هذا الوضع، يشعر التونسيون أن السلطات لا تبذل جهودًا كافية لمكافحة الفساد، بل إن الوضع يبدو وكأن السلطة نفسها أصبحت ملاذًا للفاسدين الذين يستخدمون نفوذهم لتحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة.
دعوات للإصلاح والمحاسبة
مع استمرار الفضائح التي تكشف عن فساد مستشري داخل النظام التونسي، تتصاعد الدعوات من داخل وخارج تونس لفتح تحقيق شفاف ومستقل حول هذه القضايا، ومحاسبة المسؤولين المتورطين، بغض النظر عن قربهم من السلطة. هذه الدعوات تأتي في وقت حساس بالنسبة لتونس، حيث تشهد البلاد تحولات سياسية مهمة، ويتزايد الضغط على الحكومة من أجل تنفيذ إصلاحات شاملة تضمن استعادة الثقة بين الدولة والشعب.
وفي الوقت الذي يواصل فيه الرئيس قيس سعيد التأكيد على تعهداته بمكافحة الفساد، يبدو أن الواقع يعكس صورة مغايرة تمامًا. لا يزال هناك نقص كبير في محاسبة المسؤولين المقربين من الرئيس، ما يعزز الانطباع بأن هذه الفضائح ليست مجرد حالات فردية، بل تمثل خللاً بنيويًا في النظام السياسي.
إصلاحات شاملة للمنظومة الحاكمة
الفساد الذي تم اكتشافه في الدائرة المقربة من الرئيس قيس سعيد لا يمثل قضية فردية، بل يُعد نموذجًا للخلل البنيوي الذي يعاني منه النظام في تونس. وفي ظل هذه الفضائح المتزايدة، يبرز سؤال محوري حول ما إذا كانت الحكومة التونسية قادرة على تحقيق إصلاحات حقيقية تعيد بناء الثقة مع الشعب التونسي.
تتطلب الأزمة الحالية إصلاحات عميقة على جميع الأصعدة، بدءًا من محاسبة الفاسدين داخل الحكومة، وصولاً إلى إصلاحات اقتصادية تضمن توزيعًا عادلاً للثروات وتوفير فرص العمل للمواطنين. الإصلاحات يجب أن تشمل أيضًا تعزيز الشفافية في المؤسسات الحكومية وإعادة بناء جهاز القضاء ليكون قادرًا على محاسبة الجميع، بغض النظر عن مناصبهم.
الكرة الآن في ملعب الرئيس
القضية الحالية لم تُعد مجرد قضية فردية بل أصبحت تحديًا حقيقيًا للرئيس قيس سعيد. إذا أراد الرئيس أن يثبت التزامه الفعلي بمبادئ النزاهة التي وعد بها الشعب، عليه أن يتحرك بسرعة لمحاسبة المسؤولين الفاسدين وتقديمهم إلى العدالة. إن فشل الرئيس في معالجة هذه القضايا قد يؤدي إلى تراجع شعبيته ويفقده دعم قطاع واسع من المواطنين الذين كانوا يأملون في أن يكون عهده بداية لعهد جديد خالٍ من الفساد.
تونس اليوم بحاجة إلى إصلاحات جذرية تضمن للناس العدالة والمساواة، وتعيد بناء الثقة بين الدولة والشعب. وإن لم تتحقق هذه الإصلاحات، فإن تاريخ حكم قيس سعيد قد يُسجل كنموذج آخر لفشل مكافحة الفساد في المنطقة.