عمار يزلي – صراع الثيران فوق عشب الجيران

صوت العرب 24 – عمار يزلي

يشهد العالم تحولا مريعا منذ ثلاث سنوات، وهذا في انتظار السنوات الخمس القادمة، والتي قد تكون حاسمة ضمن الصراع الدائر في العالم وعلى عدة جبهات.

ليس من الصَّائب تفتيت الجبهات والنظر لما يحدث هنا وهناك على أساس أنها صراعاتٌ محلية وإقليمية، بل هو صراع واحد متعدد الأركان والمهام والوظائف، وحتى وإن بدا الأمر على أنه ليس كذلك.

الصراع الأكبر يدور بين الغرب والشرق عامة، تجسّده الأزمة الأوكرانية وأزمة تايوان والصراع على الهيمنة على العالم: هيمنة اقتصادية قادمة للعملاق الصيني الذي يقدِّر الخبراء أنه وفي 2030، سيحتل الاقتصادُ الصيني المرتبة الأولى عالميا، تليه الولايات المتحدة، فيما سيكون ترتيب القوى الاقتصادية الكبرى سنة 2070 كالتالي: الصين في المقدِّمة، تليها الهند ثم الولايات المتحدة.

مبرر ذلك أن الانكماش الاقتصادي قد بدأ في الغرب، لاسيما في أوروبا متأثرا بالأزمة الروسية الأوكرانية، والعقوبات على روسيا، وأزمة الطاقة والغاز الروسي الذي انفرط عقده أوروبيًّا، دعما للعقوبات التي ارتدّت على الغرب وبالًا.

المؤشرات الاقتصادية لعام 2023، وفي انتظار مؤشرات 2024 التي ستظهر بعد جانفي 2025، تشير إلى أن معدل النمو في فرنسا بلغ 0.6% فقط، وبلغ في بريطانيا 0.7% وفي ألمانيا 0.9%.

الرابح الأكبر في الأزمة الأوكرانية والعقوبات على روسيا هي الولايات المتحدة التي سجّلت معدل نمو قدره 2%، في حين سجل العملاق المستقبلي بعد الصين، وهو الهند، معدل نمو يعادل 6% والصين 5.2%.

بهذا المعنى، فالعالم قد بدأ في التغيّر وظهور قوى عالمية اقتصادية وأمنية وعسكرية من شأنها أن تقلّب موازين القوة رأسا على عقب.

من شأن ذلك، أن نرى مستقبلا، تأزّما في العلاقات الصينية الأمريكية اقتصاديّا، لاسيما بعد عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وما قد يحاول فعله عبر الضغوط الاقتصادية على بعض الدول في “بريكس”، وترهيبا لعدم التعامل بالدولار، وهو ما يؤرّقه ويؤرّق المصالح الأمريكية في العالم باعتبارها أقوى اقتصاد بأكبر مديونية خارجية.

لهذا، من المرجَّح أن تعمل الإدارة الأمريكية القادمة على مقايضة روسيا بالحلّ الأوكراني عبر تجميد طويل أو متوسط الأمد على أساس عدم دمج أوكرانيا في الناتو، فذلك هو ما لا تقبله روسيا بالمطلق. من شأن هذا أيضا، أن تحاول الإدارة الأمريكية لمدة 4 سنوات المقبلة وإلى غاية 2030، أن تعيق نمو الصين المذهل بافتعال عقوبات أخرى على الصادرات الصينية نحو الولايات المتحدة.

غير أن الأزمة الأكثر ستكون مع إيران ومنطقة الشرق الأوسط، لاسيما أن روسيا وإيران قد فقدتا موطئ قدم لهما في سورية، وتركتا سورية للعبث الصهيوني بمقدراتها العسكرية وقضم مزيد من أراضيها.

تركيا، المستفيد الأكبر من التغيير في سوريا، قد تجد نفسها بين كماشة التقارب مع روسيا و”بريكس”، والمطامح الأمريكية والصهيونية، في تعكير الجو على الحدود التركية السورية وحتى التركية العراقية عبر الكابوس الكردي، طمعا في ابتزازها لاتخاذ موقف مناهض لروسيا وإيران في سوريا وقطع الصلة بين هذين البلدين المدعّمين الأساسيين لنظام بشار الأسد، خدمة للأجندة الصهيونية الأمريكية في خلق شرق أوسط مفتَّت مقسَّم، خال من المقاومة والتهديد الوجودي للكيان في المنطقة.

حسابات قد تتغير بتغيُّر الأوضاع والتوجهات للنظام الجديد في سوريا، عقب كل ما حدث من عدوان سافر للكيان على البلد الجريح، وقد تختلط الأوراق عالميا في المنطقة. الصراع قد ينقل إلى الشرق الأوسط بعد أن يخمد في أوكرانيا إلى حين، ونكون بذلك على عتبة أكبر تحوُّل تشهده المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى