إحالة 55 قاضياً إلى المجلس التأديبي: خطوة نحو إصلاح القضاء في المغرب

صوت العرب 24 – مراسلة من الرباط

يواصل المغرب تحقيق خطوات مهمة في مجال تخليق الحياة العامة وترسيخ دولة القانون. وتعكس الجهود المبذولة إرادة واضحة من المؤسسات الوطنية لإرساء حوكمة نموذجية تعتمد على الشفافية والمسؤولية وربط المسؤولية بالمحاسبة. وفي هذا السياق، كشف المجلس الأعلى للسلطة القضائية (CSPJ) في تقريره السنوي الأخير لعام 2023-2024، الذي نُشر الجمعة الماضية في الجريدة الرسمية، عن مواصلة تنفيذ استراتيجيته الرامية إلى تخليق الجسم القضائي وضمان نزاهته.

في هذا السياق، كشف التقرير المرفوع إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية أحال 55 قاضياً على المجلس التأديبي بسبب إخلالات مهنية وأخلاقية. وتؤكد هذه الإجراءات العزم على معاقبة السلوكيات المخالفة للأخلاقيات والحفاظ على مصداقية العدالة المغربية. وفي الوقت ذاته، أمر المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمتابعة دقيقة لثروات 15 قاضياً وتقييم ممتلكات 36 آخرين، تأكيداً على التزامه بالشفافية.

وفقاً للتقرير المنشور في العدد الأخير من الجريدة الرسمية رقم 9324، تم اتخاذ عدة عقوبات. من بينها عزل قاضيين بسبب أخطاء جسيمة، وإحالة سبعة آخرين على التقاعد الإجباري. كما تم توقيف 15 قاضياً مؤقتاً عن ممارسة مهامهم. بالإضافة إلى ذلك، اتخذ المجلس إجراءات تأديبية أخرى، حيث تم اعتبار قاضيين في حالة تخلي عن المنصب، بينما تلقى 12 قاضياً إنذارات، ووجهت توبيخات إلى 14 آخرين. وفي الوقت ذاته، لا تزال هناك قضيتان قيد النظر، في حين تمت تبرئة قاضٍ بشكل كامل.

دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية (CSPJ)

المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو الهيئة المكلفة بضمان استقلالية القضاء في المغرب، ويشرف على التعيينات والترقيات والمسار المهني للقضاة. بالإضافة إلى ذلك، يلعب دورًا أساسيًا في محاسبة القضاة الذين يخالفون القوانين أو أخلاقيات المهنة. من خلال هذه الإحالات التأديبية، يعزز المجلس مكانته كجهة رقابية تهدف إلى تحقيق العدالة داخل النظام القضائي نفسه.

أسباب الإحالة إلى المجلس التأديبي

تعددت الأسباب التي دفعت إلى إحالة القضاة إلى المجلس التأديبي، وتشمل:

1. الفساد المالي: تورط بعض القضاة في قضايا تتعلق بالرشوة أو استغلال النفوذ.

2. الإخلال بالواجب المهني: إصدار أحكام تفتقر إلى النزاهة أو تعتمد على المحاباة.

3. الإضرار بمصداقية القضاء: التصرفات التي تسيء لسمعة الجهاز القضائي وتؤدي إلى زعزعة ثقة المواطنين.

 

الإجراءات التأديبية المتخذة

تراوحت العقوبات التي أصدرها المجلس بين الإنذارات، وقرارات التوبيخ، والإيقاف المؤقت عن العمل، وصولاً إلى العزل النهائي من الوظيفة. وتستند هذه الإجراءات إلى تحقيقات دقيقة تهدف إلى التحقق من صحة الادعاءات الموجهة ضد القضاة، مع ضمان احترام حقوق الدفاع لكل من يُحال إلى المجلس.

 

دلالات هذه الخطوة

تعكس هذه الإحالات التأديبية إرادة حقيقية لدى السلطات المغربية في مكافحة الفساد وتعزيز دولة القانون. وتؤكد أن القضاء، كأي مؤسسة أخرى، ليس بمنأى عن المحاسبة، مما يعزز الثقة بين المواطنين والجهاز القضائي.

 

ردود الفعل الشعبية والرسمية

لاقى هذا الإجراء ترحيبًا واسعًا من قبل الرأي العام المغربي، حيث اعتبره كثيرون خطوة جريئة نحو إصلاح القضاء. كما أكدت منظمات المجتمع المدني أهمية الاستمرار في هذا النهج لضمان محاربة الفساد وتعزيز الشفافية.

على الجانب الرسمي، أشار المجلس الأعلى للسلطة القضائية في بياناته إلى أن هذه الإجراءات تأتي ضمن استراتيجيته لضمان نزاهة الجهاز القضائي، مشددًا على التزامه بالحياد التام والشفافية في التعامل مع جميع الملفات التأديبية.

 

أهمية إصلاح القضاء في التنمية الشاملة

لا يقتصر تأثير إصلاح القضاء على تعزيز الثقة في النظام القانوني فقط، بل يمتد ليشمل تحفيز الاستثمار والتنمية الاقتصادية. فقضاء نزيه ومستقل هو أساس دولة القانون التي تُطمئن المستثمرين وتساهم في خلق بيئة عمل مستقرة.

التحديات المستقبلية

رغم أهمية هذه الخطوة، إلا أن إصلاح القضاء يتطلب جهدًا مستمرًا، يشمل:

تعزيز برامج تدريب القضاة لتطوير مهاراتهم المهنية.

تحديث القوانين المتعلقة بالرقابة والمحاسبة.

تكريس ثقافة النزاهة من خلال مناهج تعليمية وبرامج توعية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى