تأجيل محاكمة المتهمين في قضية مجموعة متيدجي وبينهم عبد المالك سلال
صوت العرب – الجزائر
في خطوة لافتة ومؤجلة، قررت محكمة الجزائر، يوم الأربعاء، تأجيل النظر في قضية الاستئناف المتعلقة بمجموعة متيدجي، والتي تضم عددًا من الشخصيات البارزة في النظام الجزائري السابق. هذه القضية تعد من أبرز القضايا التي سلطت الضوء على الفساد المستشري في أعلى مستويات السلطة في الجزائر، حيث تضم متهمين من بينهم رئيس الوزراء السابق عبد الملك سلال وعدد من الوزراء والمسؤولين السابقين. وقد تم تحديد موعد جديد للجلسة في 20 أبريل 2024، مما يزيد من الترقب حول كيفية تطور هذه القضية الحساسة وتأثيرها على المشهد السياسي في البلاد.
تفاصيل قضية مجموعة متيدجي
قضية مجموعة متيدجي هي واحدة من أكبر القضايا التي طرحتها محاكم الجزائر خلال السنوات الأخيرة، حيث تتعلق بشبكة من الفساد تضم شخصيات سياسية بارزة في النظام الجزائري السابق. المحكمة الاقتصادية والمالية في سيدي امحمد كانت قد أصدرت حكمًا في يناير الماضي، حيث شملت هذه الأحكام العديد من الشخصيات، على رأسها عبد الملك سلال، رئيس الحكومة السابق، الذي تم الحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بتهم فساد وتورطه في قضايا تتعلق بتخصيص صفقات مشبوهة.
أما مختار رقيق، رئيس البروتوكول السابق في رئاسة الجمهورية، فقد تم الحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات بتهم مماثلة، بينما تم الحكم على منصور متيدجي، الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة متيدجي، بالسجن لمدة ثماني سنوات بسبب تورطه في قضايا فساد مالي وإداري.
كما تم الحكم بالسجن لثلاث سنوات على مصطفى عبد الكريم راحييل، المدير السابق لمكتب رئيس الحكومة، بسبب تهم مرتبطة بتوظيف أشخاص في المناصب العامة بناءً على اعتبارات غير قانونية.
تبرئة بعض المتهمين
لكن ما يزيد من تعقيد القضية هو التبرئة التي طالت بعض الشخصيات السياسية الكبرى. فقد تم تبرئة عبد القادر زوخ، والي الجزائر السابق، الذي كان يعد من أبرز الشخصيات في النظام السابق. كما برأت المحكمة عبد الغني زعلان، وزير النقل والأشغال العامة السابق، وكذلك أمراي حڤناوي، رئيس ديوان الحكومة السابق.
هذه التبرئات أثارت جدلاً واسعًا في الجزائر، حيث تساءل كثيرون عن أسباب اتخاذ هذه القرارات في ظل الاتهامات الثقيلة التي وُجهت إليهم. وقد اعتبر البعض أن التبرئة قد تكون جزءًا من صفقات سياسية أو خطوات تهدف إلى حماية بعض الشخصيات من المحاسبة على ما قد يكون قد ارتكبوه خلال فترة خدمتهم في الحكومة.
التأجيل وتأثيره على المشهد السياسي في الجزائر
قرار المحكمة بتأجيل الجلسة حتى 20 أبريل 2024 لم يكن مفاجئًا للكثيرين، لكنه أضاف مزيدًا من التعقيد للقضية في وقت حساس بالنسبة للنظام الجزائري. فالقضية، التي تمثل محاكمة الفساد في أوساط السلطة الحاكمة، تعد اختبارًا حقيقيًا للنظام القضائي في الجزائر، وقد تؤثر على الصورة العامة للسلطة القائمة.
تزامن هذا التأجيل مع فترة حساسة من الحياة السياسية في الجزائر، حيث يمر البلد بمرحلة من التحولات السياسية والاقتصادية، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بالإصلاحات منذ عام 2019. وتتمثل إحدى القضايا الكبرى في التحقيقات المتعلقة بالفساد، التي هي أحد المحاور الأساسية في مطالب المتظاهرين. وبناءً على ذلك، فإن التأجيل يمكن أن يُنظر إليه على أنه خطوة تهدف إلى تجنب تصعيد الخلافات السياسية التي قد تضر بالمصداقية العامة للنظام.
إضافة إلى ذلك، يثير التأجيل تساؤلات حول ما إذا كانت هناك ضغوطات سياسية وراء القرار، خاصة في ضوء ما يشهده المشهد السياسي من صراع بين التيارات المختلفة التي تسعى لتقوية مواقعها في السلطة.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للقضية
قضية مجموعة متيدجي ليس لها تأثير سياسي فحسب، بل تمتد آثارها لتطال الاقتصاد الجزائري بشكل واسع. الفساد الذي تورطت فيه الشخصيات البارزة في هذه القضية أثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني، من خلال تخصيص مشاريع عمومية وصفقات مشبوهة تسببت في تدهور البنية التحتية وفي هدر المال العام.
تعاني الجزائر من أزمات اقتصادية خانقة منذ عدة سنوات، وقد ساهم الفساد في تأجيج هذه الأزمات، حيث تراجع النمو الاقتصادي وارتفعت معدلات البطالة. في وقت تسعى فيه الحكومة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق التنمية الاقتصادية، فإن فضائح الفساد التي تظهر في الساحة العامة تؤثر بشكل كبير على سمعة الجزائر دوليًا.
أما على الصعيد الاجتماعي، فإن استمرار القضايا الكبرى مثل قضية مجموعة متيدجي يعزز الشعور بالإحباط بين المواطنين، الذين يعتقدون أن الفساد في أعلى مستويات السلطة هو السبب الرئيسي وراء تدهور أوضاعهم المعيشية. كما أن غياب المحاسبة الحقيقية يعمق من الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، مما يؤدي إلى زيادة الاستياء الشعبي.
آفاق محاكمة الفساد في الجزائر
إن قضية مجموعة متيدجي ليست سوى جزء من أوسع حملة ضد الفساد تشهدها الجزائر منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 2019. ورغم أن العديد من الشخصيات السياسية تم محاكمتها في قضايا فساد، إلا أن العديد من المراقبين يرون أن العدالة لم تأخذ مجراها الكامل بعد، وأن بعض القضايا قد تُغلق دون محاسبة حقيقية للمسؤولين الفعليين.
وفي هذا السياق، يترقب الشعب الجزائري ومعهم المجتمع الدولي نتيجة الاستئناف في قضية مجموعة متيدجي، التي ستشكل معيارًا لمدى جدية الجزائر في مكافحة الفساد وتحقيق العدالة. إذا لم يتم اتخاذ قرارات حاسمة، فإن ذلك قد يؤدي إلى تراجع الثقة في النظام القضائي ويؤثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
خاتمة
إن تأجيل قضية مجموعة متيدجي في الجزائر لا يخفف من أهمية التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بالفساد، بل يسلط الضوء على ضرورة الإصلاحات العميقة في النظام القضائي والسياسي في البلاد. مع تطلع الشعب الجزائري إلى عدالة حقيقية، فإن هذه القضايا تظل في قلب التحولات السياسية الكبرى التي يشهدها البلد. من المهم أن تُظهر العدالة الجزائرية قدرتها على محاسبة جميع المتورطين في قضايا الفساد، دون أي استثناءات، لتستعيد ثقة المواطنين ولتسهم في إصلاح النظام السياسي والاقتصادي للبلاد.