الجزائر: رفض طلب الإفراج عن بوعلام صنصال
صوت العرب 24 – نجاة الوافي / الجزائر
يُعد بوعلام صنصال، الروائي والكاتب الفرنسي الجزائري البالغ من العمر 80 عامًا، واحدًا من أبرز الكتاب الذين عُرفوا بمواقفهم الجريئة وأدبهم المعارض للأنظمة السياسية. منذ اعتقاله في 16 نوفمبر 2024 في مطار الجزائر العاصمة، وجد صنصال نفسه محط أنظار الإعلام المحلي والدولي، خاصة في فرنسا، حيث كان قد نال الجنسية الفرنسية قبل فترة قصيرة. اعتقاله أثار موجة من الانتقادات والشجب، ليس فقط من وسائل الإعلام الفرنسية بل أيضًا من المجتمع الدولي، وهو ما يجعل قضيته واحدة من أبرز القضايا السياسية والإعلامية في الجزائر حاليًا.
خلفيات الاعتقال
وُضع بوعلام صنصال قيد الاعتقال في الجزائر بعد تصريحاته المثيرة للجدل حول الحدود بين الجزائر والمغرب، والتي وصفها العديد من المحللين بأنها تمسّ بالأمن القومي للبلاد. خلال مقابلة إعلامية، تحدث صنصال عن القضايا الحدودية بشكل يعتبره البعض حساسًا ويثير التوترات بين البلدين الجارين. في أعقاب تلك التصريحات، تم توجيه تهم إليه تتعلق بتهديد أمن الدولة الجزائري وفقًا للمادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، وهي المادة التي تعاقب كل اعتداءات على أمن الدولة، ومنها التصريحات السياسية التي قد تزعزع استقرار البلاد.
ما يزيد من تعقيد القضية هو أن صنصال، الذي يتمتع بشعبية كبيرة في الأوساط الأدبية الفرنسية، قد أصبح موضوعًا للجدل السياسي بين الجزائر وفرنسا. فمن جهة، يُعتبر بعض اليمين الفرنسي وصحفيون فرنسيون قضية صنصال فرصة للدفاع عن حرية التعبير، بينما من جهة أخرى، ترى الحكومة الجزائرية في تصرفاته تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلاد، ما يعزز مواقف من يعتبرون أن اعتقاله عمل سيادي وقانوني.
التطورات القانونية: محاولة الإفراج والرفض
منذ اعتقاله، حاول محاموه الجزائريون ثلاث مرات الحصول على الإفراج عن صنصال، لكن محكمة الاستئناف في الجزائر العاصمة رفضت طلب الإفراج. وقد أعلن المحامي الفرنسي فرانسوا زيمراي، الذي تم تعيينه من قبل دار نشر بوعلام صنصال “غاليمار”، أنه لم يُسمح له بالسفر إلى الجزائر من أجل التحضير للدفاع عن موكله بالتعاون مع المحامين الجزائريين. هذا الرفض لحرية الوصول إلى المتهم وحقوقه القانونية يشير إلى تعقيد القضية ويدعم الشكوك حول الحياد السياسي في الإجراءات القانونية.
في الأيام التي تلت اعتقاله، تم نقل بوعلام صنصال إلى مستشفى مصطفى باشا بالجزائر العاصمة إثر تدهور حالته الصحية، مما استدعى تدخلًا طبيًا عاجلًا. ومع ذلك، عاد إلى السجن، حيث من المتوقع أن يُستمر في احتجازه في سجن القليعة، الواقع على بُعد 35 كيلومترًا غرب الجزائر العاصمة، إلى حين إعادة النظر في قضيته أمام قاضي التحقيق. ومن المتوقع أيضًا أن يتم تقديم طلب جديد للإفراج عنه في غضون شهر، ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت السلطات الجزائرية ستتجاوب مع هذا الطلب.
الاستجابة الدولية والانتقادات
لقد أثار اعتقال بوعلام صنصال ضجة كبيرة، خاصة في فرنسا، حيث كان يُعتبر صنصال صوتًا معارضًا للنظام الجزائري من خلال أعماله الأدبية وتصريحاته السياسية. الصحافة الفرنسية تسلط الضوء على اعتقاله، معتبرة أن ذلك يساهم في تعزيز القمع الذي تمارسه الجزائر تجاه المثقفين والكتاب. من جهتها، الحكومة الجزائرية تنظر إلى هذه الانتقادات باعتبارها تدخلاً في شؤونها الداخلية، وهو ما أكده البرلمان الجزائري في بيان رسمي أصدره مؤخرًا. حيث وصف البيان الحملات الإعلامية التي قامت بها بعض وسائل الإعلام في فرنسا وأوروبا بأنها محاولات لفرض رغبات أجنبية تهدد السيادة الوطنية للجزائر.
في هذا السياق، كان للصحافة الجزائرية الحكومية مثل “المجاهد” دور في دعم موقف السلطات. فقد أوردت الصحيفة الحكومية أن اعتقال صنصال قد أثار ضجة في أوساط اليمين الفرنسي المتطرف، الذين يرون في قضية صنصال فرصة للمس بأمن الجزائر الداخلي. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن الاعتقال جاء نتيجة لتصريحات تم تفسيرها من قبل الحكومة الجزائرية كتهديد للمصالح الوطنية، وهو ما يعكس التوترات القائمة بين الأطراف المختلفة في هذه القضية.
القضايا السياسية وراء الاعتقال
إن قضية بوعلام صنصال ليست مجرد قضية قانونية بل هي قضية سياسية أيضًا، حيث تعكس انقسامًا عميقًا بين الحكومة الجزائرية والمجتمع الدولي، خاصة في سياق العلاقات الجزائرية الفرنسية. بينما يرى البعض أن اعتقال صنصال هو خطوة نحو تعزيز سيادة الجزائر وحمايتها من التدخلات الخارجية، يرى آخرون أن هذا النوع من القضايا يشكل تهديدًا للحريات الفردية، خاصة في وقت يشهد فيه العالم العربي حركات من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
إلى جانب ذلك، يثير اعتقال صنصال العديد من الأسئلة حول حرية التعبير في الجزائر، خاصة في ما يتعلق بالكتّاب والمثقفين الذين يعبرون عن آرائهم بعيدًا عن الخطاب الرسمي. من جهة أخرى، يستمر صنصال في كفاحه من أجل أن يتمتع بحقه في الدفاع عن نفسه والحصول على محاكمة عادلة، في وقت تُشير فيه التقارير إلى أن الاحتجاز لا يخلو من الضغوط النفسية والجسدية عليه.
مستقبل بوعلام صنصال
في ضوء كل هذه التطورات، يبقى مستقبل بوعلام صنصال غامضًا. لا يزال وضعه الصحي يشكل مصدر قلق، وقد تستمر محاكمته لفترة أطول، مما يضيف عبئًا جديدًا على قضية حقوق الإنسان في الجزائر. ستظل الدعوات الدولية تتزايد من أجل الإفراج عن صنصال، حيث يعتبره الكثيرون رمزًا لحرية التعبير في العالم العربي، بينما ستظل الجزائر مصرة على موقفها، معتبرة أن الأمر يتعلق بمسألة سيادة وقانون داخلي.
يبدو أن قضية بوعلام صنصال ستظل مثار جدل في الأشهر القادمة، وسيتعين على الجزائر التوفيق بين احترام القوانين الداخلية والحفاظ على العلاقات الدولية المتوترة مع فرنسا وأوروبا بشكل عام. في النهاية، تظل هذه القضية اختبارًا حقيقيًا لحرية التعبير في الجزائر ولعلاقة البلد بالغرب في ظل الأوضاع السياسية الراهنة.