رسائل متباينة في عيد الميلاد: تحليل خطابات الرئيسين بايدن وترامب في ظل الانقسام السياسي في أمريكا
صوت العرب 24 – واشنطن
شهد عيد الميلاد لهذا العام تباينًا واضحًا في الرسائل التي وجهها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب. ففي حين اختار بايدن، الديمقراطي، التحدث عن الوحدة والتأمل ونبذ الانقسامات، استغل ترامب، الجمهوري، المناسبة لتقديم تهانيه بطريقة تضمنت انتقادات لاذعة لخصومه السياسيين. هذا التباين يعكس بشكل كبير الانقسام السياسي والاجتماعي العميق الذي يعيشه المجتمع الأمريكي.
رسالة بايدن: دعوة للوحدة والتأمل
في مساء ليلة عيد الميلاد، نشر بايدن مقطع فيديو على منصة يوتيوب يعرض فيه زينة عيد الميلاد داخل البيت الأبيض. أرفق الفيديو برسالة صوتية دعا فيها الأمريكيين إلى تجاوز “الضوضاء وكل ما يفرقنا”. وأشار بايدن إلى أهمية “العيش في النور” والتذكير بقيم الكرامة والاحترام المتبادل، مؤكدًا أن هناك الكثير مما يوحد الأمريكيين مقارنة بما يفرقهم.
قال بايدن في كلمته:
> “نحن موجودون على هذه الأرض لنرعى بعضنا البعض، ونحب بعضنا البعض”.
وأشار إلى أن الأمريكيين غالبًا ما ينظرون إلى بعضهم كأعداء وليس كجيران أو مواطنين يعيشون تحت مظلة واحدة. وشدد على ضرورة استغلال فترة الأعياد في التأمل بهدوء، والتركيز على القيم المشتركة التي يمكن أن تعزز الوحدة بين مختلف أطياف المجتمع.
بايدن الذي تولى منصب الرئيس عام 2021، وعد عند توليه الرئاسة بإنهاء “الحرب الأهلية غير المعلنة” التي قسمت الولايات المتحدة بين اللونين الأحمر والأزرق، وبين الريف والمدن، وبين المحافظين والليبراليين. لكن بعد قراره في يوليو 2024 بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، تركزت جهوده على تحقيق الوحدة الوطنية، على الرغم من أن نتائج الانتخابات الأخيرة أظهرت استمرار الانقسامات العميقة.
رسالة ترامب: تهنئة مليئة بالهجوم السياسي
على الجانب الآخر، اختار دونالد ترامب التوجه برسالته عبر منصة “تروث سوشيال”، حيث بدأ برسالة تهنئة صباحية قائلاً:
> “عيد ميلاد سعيد”.
لكن ما لبث أن أضاف إلى تهنئته سلسلة من الانتقادات والرسائل السياسية التي تضمنت هجومًا على خصومه السياسيين، بمن فيهم الديمقراطيون ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو.
في منشور لاحق، كتب ترامب:
> “عيد ميلاد سعيد لليسار الراديكالي الذي يحاول باستمرار تعطيل نظامنا القضائي وانتخاباتنا”.
وتابع متهمًا إدارة بايدن بعدم الكفاءة، وهاجم الضرائب المرتفعة في كندا، مقترحًا أن تصبح كندا “الولاية الحادية والخمسين” للولايات المتحدة لتحقيق تخفيض في الضرائب بنسبة 60%.
ترامب لم يكتفِ بذلك، بل استغل المناسبة لإعادة نشر أكثر من 24 مقالًا ومنشورًا يدعم سياساته، بما في ذلك موقفه من مرشح وزارة الدفاع بيت هاغسيث، ومواقفه المثيرة للجدل حول قناة بنما وغرينلاند.
تصاعد الانقسام السياسي في الولايات المتحدة
رسائل عيد الميلاد التي قدمها الرئيسان السابقان تعكس بشكل صارخ الانقسامات المتزايدة داخل المجتمع الأمريكي. فمنذ تولي بايدن الرئاسة، سعى لتعزيز لغة الحوار والتفاهم، إلا أن الانتخابات الرئاسية لعام 2024 أظهرت زيادة الاستقطاب السياسي.
أثناء الحملة الانتخابية الأخيرة، كان بايدن وترامب وجهاً لوجه مرة أخرى، قبل أن تتولى كامالا هاريس الترشح عن الحزب الديمقراطي بعد انسحاب بايدن. ورغم التوقعات بأن هاريس قد تحقق نوعًا من التوازن، انتهت الانتخابات بهزيمة الديمقراطيين، وفقدانهم السيطرة على جميع الولايات المتأرجحة ومجلسي الكونغرس.
ترامب، من جهته، استغل تلك التطورات ليضاعف من هجماته السياسية، داعيًا إلى محاكمة خصومه السياسيين وإعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية. كما أطلق دعوات مثيرة للجدل تتعلق بالسيطرة على قناة بنما، الأمر الذي أثار تساؤلات حول أهدافه السياسية.
التأثير على المجتمع الأمريكي
تظهر رسائل بايدن وترامب أن الانقسامات لم تعد مقتصرة على الطبقة السياسية فقط، بل تسربت إلى جميع جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية في الولايات المتحدة. عيد الميلاد، الذي يُفترض أن يكون مناسبة للتأمل والسلام، بات مناسبة لإظهار الخلافات الحادة بين القادة السياسيين.
في حين دعا بايدن إلى الوحدة والتأمل بعيدًا عن “الضوضاء”، استخدم ترامب المناسبة للتأكيد على قضاياه السياسية والهجوم على خصومه. هذا التباين يبرز كيف أصبحت السياسة الأمريكية متشابكة مع القيم الاجتماعية والثقافية، بحيث لم تعد حتى المناسبات الدينية بمنأى عن الصراعات السياسية.
ختامًا: هل يمكن تجاوز الانقسام؟
رسائل بايدن وترامب تقدم صورة متباينة لطريقة التعامل مع القضايا الوطنية في ظل الأعياد. فبينما سعى بايدن إلى تعزيز لغة الوحدة، استخدم ترامب المناسبة كمنبر سياسي. يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للأمريكيين تجاوز هذه الانقسامات؟
الإجابة على هذا السؤال تعتمد على مدى قدرة القادة السياسيين على تبني لغة الحوار والتفاهم بدلًا من التصعيد والتأجيج. ففي نهاية المطاف، لا يمكن بناء أمة موحدة دون التركيز على القيم المشتركة التي تجمع أفرادها، وهو الأمر الذي دعا إليه بايدن ولكنه يتطلب جهدًا أكبر من مجرد كلمات عابرة في مناسبات الأعياد.