اغتيال اللواء كيريلوف: تفاصيل العملية وأبعادها في سياق الحرب الأوكرانية-الروسية
صوت العرب 24 – موسكو
من اللافت أن عملية اغتيال اللواء إيغور كيريلوف، الذي شغل منصب رئيس قوات الحماية العسكرية الروسية من الإشعاع والبيولوجيا والكيمياء، كانت معقدة للغاية. وفقًا لمصادر أوكرانية تحدثت إلى بي بي سي، تم إخفاء المتفجرات داخل دراجة كهربائية وتم تفجيرها عن بعد. العملية التي نفذت في قلب موسكو، تعتبر واحدة من أبرز العمليات التي تشير إلى قدرة الاستخبارات الأوكرانية على تنفيذ هجمات خارج حدود أوكرانيا.
التفاصيل الدقيقة للعملية: التفجير في اللحظة المثالية
يعتقد أن اللواء كيريلوف هو أعلى مسؤول عسكري روسي يتم قتله خارج منطقة القتال منذ بداية الغزو الروسي الشامل. العملية أثارت صدمة داخل المؤسسة العسكرية والسياسية الروسية، حيث أكد جهاز الأمن الأوكراني (SBU) أنهم وراء الهجوم. اختيار الدراجة الكهربائية لتنفيذ الهجوم كان خطوة ذكية، حيث يتم تركها مهجورة في شوارع موسكو ولا تجذب الانتباه عادة. ولكن ما جعل العملية أكثر تعقيدًا هو توقيت التفجير في اللحظة الدقيقة التي كان فيها الجنرال كيريلوف يغادر شقته برفقة مساعده، ما يعني أن القتلة كانوا يراقبون الهدف بشكل مباشر عبر كاميرات المراقبة أو من خلال المراقبة الفعلية.
دور جهاز الأمن الأوكراني في العمليات السابقة: من تاتارسكي إلى كيريلوف
يُعتقد أن اغتيال كيريلوف لم يكن أول عملية اغتيال نفذها جهاز الأمن الأوكراني في شوارع أكبر مدن روسيا. على سبيل المثال، في أبريل 2023، تم اغتيال المدون الحربي البارز فلادلين تاتارسكي في سان بطرسبرغ. خلال لقاء له مع أنصاره في مقهى “شارع فود بار رقم 1″، قدمت له داريا تريبوفا تمثالًا لرأس جندي، الذي كان يحتوي على متفجرات. انفجرت القنبلة أثناء محاولته إعادة التمثال إلى علبته، مما أسفر عن مقتله وإصابة العديد من الحاضرين. في محاكمتها، أكدت تريبوفا أنها لم تكن على علم بوجود المتفجرات، وأقرت بأنها ضد الحرب في أوكرانيا. المحكمة حكمت عليها بالسجن لمدة 27 عامًا.
أساليب متنوعة: الخداع والاغتيال
تُظهر هذه العمليات أن جهاز الأمن الأوكراني يعتمد على الخداع لاستدراج الروس الذين قد يكونون متعاطفين مع القضية الأوكرانية. يمكن أن تتراوح الأفعال من تنظيم التخريب إلى تحضير قنبلة، وهو ما تم تطبيقه في حالة اغتيال تاتارسكي. جهاز الأمن الأوكراني (SBU) لا يتردد في إرسال قاتل لتحقيق هدفه، وهذه الطريقة تعد من أكثر أساليب التجسس والاغتيال شهرة. ففي عام 2022، تم قتل النائب الأوكراني السابق الموالي لروسيا، إيليا كيفا، في هجوم بالرصاص في إحدى القرى خارج موسكو، وهي عملية أخرى قيل إن جهاز الأمن الأوكراني كان وراءها.
عملية اغتيال أخرى: مقتل شاتسكي
قبل خمسة أيام من اغتيال كيريلوف، تم قتل عالم الصواريخ الروسي البارز ميخايل شاتسكي في غابة خارج موسكو. تم توجيه أصابع الاتهام إلى جهاز الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، رغم غياب تأكيد رسمي. شاتسكي كان مسؤولاً عن تحديث صواريخ كروز الروسية من طراز Kh-59 وKh-69، التي تسببت في الكثير من الدمار في أوكرانيا. مقتل شاتسكي يعكس مدى الاختراق الذي تمكنت الاستخبارات الأوكرانية من تحقيقه داخل روسيا، ويشير إلى أن عملياتها قد تخطت الحدود الأوكرانية.
الرسالة الموجهة: حتى موسكو لا تعد آمنة
إن مقتل كيريلوف في غضون أيام قليلة من مقتل شاتسكي يُظهر مدى عمق اختراق جهاز الأمن الأوكراني لروسيا. ليست هذه العمليات محصورة فقط في السياسيين أو العسكريين، بل تشمل أيضًا العلماء والخبراء العسكريين الذين يساهمون في تعزيز القدرات العسكرية الروسية. في أغسطس 2022، تم قتل داريا دوغينا، ابنة المفكر الروسي ألكسندر دوغين، في هجوم بسيارة مفخخة، وهو هجوم بدا كرسالة موجهة لوالدها الذي يُعتبر من أبرز الداعمين للعدوان الروسي على أوكرانيا.
عملية اغتيال دوغينا: عمق الاختراق الأوكراني
في عملية اغتيال داريا دوغينا، وفقًا للتحقيق الروسي، كان هناك مواطنان أوكرانيان متورطان في الهجوم. ناتاليا فوفك، البالغة من العمر 43 عامًا، كانت قد عبرت إلى روسيا من دونيتسك المحتلة في شرق أوكرانيا، ثم تعاونت مع أوكراني آخر لاستئجار مرآب حيث قاما بتجميع القنبلة. وفقًا للادعاءات، تمكن الأوكرانيان من الفرار من روسيا قبل يوم واحد من قتل دوغينا. هذا الهجوم يعتبر مثالًا واضحًا على قدرة الأوكرانيين على إرسال عملائهم داخل الأراضي الروسية لتنفيذ عمليات معقدة.
هل اغتيال كيريلوف نتاج لصراع داخلي في روسيا؟
رغم أن جهاز الأمن الأوكراني أعلن مسؤوليته عن العملية، يرى بعض الخبراء العسكريين أنه قد يكون الاغتيال نتيجة لصراع داخلي في الجيش الروسي. يعتقد البعض أن عملية الاغتيال قد تكون محاولة من الكرملين لإزالة أحد الشهود الرئيسيين على جرائم الحرب. يوري كارين، المراقب العسكري المقيم في كييف، قال إنه إذا كان الهجوم قد تم من قبل جهاز الأمن الأوكراني، فإن الرسالة واضحة: “حتى داخل موسكو، لا يمكن للجنرالات الروس أن يشعروا بالأمان.”
رسائل متعددة وأبعاد عميقة
العمليات التي نفذها جهاز الأمن الأوكراني تكشف عن مدى تعقيد وتنوع أساليبها في استهداف شخصيات روسية. من استخدام التفجيرات إلى الاغتيالات بالرصاص، تمكن الأوكرانيون من اختراق الأمن الروسي وتنفيذ عمليات دقيقة وفعالة. مع استمرار هذه الهجمات المتزايدة، يبقى السؤال حول قدرة روسيا على حماية مسؤولين عسكريين وسياسيين رفيعي المستوى. هذه العمليات قد تؤثر بشكل كبير على الأمن الداخلي الروسي وعلاقاته العسكرية والسياسية في المنطقة.