صور الأقمار الصناعية تكشف إقدام روسيا على جمع معداتها العسكرية لمغادرة سوريا

صوت العرب  24 – دمشق

في الآونة الأخيرة، أثارت صور الأقمار الصناعية التي أظهرت تفكيك روسيا لمعدات عسكرية في قاعدة حميميم الجوية في سوريا، تساؤلات حول مستقبل الوجود العسكري الروسي في البلاد. تشمل المعدات التي تم تفكيكها طائرات نقل من طراز أن-124 ومروحيات Ka-52 ووحدة دفاع جوي S-400. هذه التحركات تأتي في وقت حساس بعد مغادرة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو إثر سيطرة الثوار على دمشق. وبينما لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت روسيا ستتخلى عن القاعدة بشكل كامل، فإن هذه التحولات تشير إلى تقليص محتمل للوجود العسكري الروسي في سوريا، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل الدور الروسي في هذا الصراع الطويل.

الاتفاقيات الروسية-السورية: بداية العلاقة العسكرية

في عام 2017، وقعت موسكو ودمشق اتفاقية إيجار لمدة 49 عامًا لقاعدة حميميم الجوية، التي كانت نقطة انطلاق رئيسية للعمليات العسكرية الروسية في سوريا. وقد أتاحت هذه الاتفاقية لروسيا استخدام القاعدة لتوسيع نطاق نفوذها العسكري في المنطقة، ووضعت روسيا كقوة أساسية في الصراع السوري. منذ ذلك الحين، أدت التدخلات العسكرية الروسية إلى تغييرات كبيرة في مسار الحرب الأهلية السورية، حيث تم تكثيف الضربات الجوية الروسية لدعم النظام السوري.

ومع ذلك، فإن الواقع الحالي يشير إلى تغيرات ملحوظة في الاستراتيجية العسكرية الروسية، خصوصًا بعد مغادرة الأسد إلى موسكو إثر تقدم الثوار في دمشق. هذه التطورات قد تكون بداية لتغيير جوهري في علاقة روسيا بسوريا، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت موسكو ستبقي على وجودها العسكري الكبير في سوريا أو ستسعى لتقليصه بشكل تدريجي.

التحديات الداخلية والخارجية: التأثير على الوجود العسكري الروسي

تشير التقارير إلى أن روسيا بدأت في تقليص وجودها في بعض القواعد العسكرية في سوريا. فعلى سبيل المثال، تم ملاحظة إخلاء قواعد صغيرة في مناطق منبج وكوباني، وهي مناطق كانت تشهد توترات عسكرية بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة وقوات المعارضة السورية. هذا التراجع قد يكون بسبب تطورات سياسية على الأرض، بما في ذلك تصاعد قوة جماعات معارضة مثل جبهة “هيئة تحرير الشام”، التي أظهرت قدرتها على السيطرة على مناطق واسعة في شمال سوريا.

على الرغم من الاتفاقية التي تضمن لروسيا بقاء قواتها في قاعدة حميميم لمدة 49 عامًا، فإن الأوضاع على الأرض قد فرضت ضغوطًا كبيرة على موسكو. فالتغيرات في موازين القوى على الأرض قد تجعل من الصعب على روسيا الاحتفاظ بوجود عسكري مستدام في جميع القواعد التي كانت تستخدمها سابقًا. علاوة على ذلك، فإن التوترات بين الفصائل السورية المختلفة، وتزايد النشاط العسكري التركي في شمال سوريا، قد تجعل بقاء القوات الروسية في بعض المناطق غير ممكن من الناحية الاستراتيجية.

المغادرة الروسية: ماذا عن القواعد الأخرى؟

بعد أن قام بشار الأسد بمغادرة دمشق، تفادت روسيا التحدث علنًا عن مستقبل الوجود العسكري في سوريا. لكن من المؤكد أن هذه الخطوة تشير إلى تغير في الاستراتيجية العسكرية الروسية في سوريا. العديد من الخبراء العسكريين يشيرون إلى أن مغادرة الأسد قد تكون بداية لتخفيض شامل في حجم القوات الروسية في البلاد. من جانب آخر، يبدو أن روسيا بدأت في إعادة ترتيب أوراقها العسكرية، حيث تم نقل بعض من قواتها البحرية من قاعدة طرطوس إلى عرض البحر، مما يعكس تحولًا في استراتيجيتها العسكرية في المنطقة.

ورغم غموض مصير القواعد الروسية في سوريا، فإن روسيا بدأت أيضًا في تقليص وجودها العسكري في مناطق أخرى من البلاد. فعلى سبيل المثال، تشير التقارير إلى أن روسيا قد بدأت في إخلاء قواعد صغيرة في المناطق التي شهدت تصاعدًا في المواجهات العسكرية، مثل منبج وكوباني. هذا التراجع يعكس حالة من التكيف مع الواقع الجديد على الأرض، حيث تواجه روسيا تحديات أكبر في الحفاظ على وجودها العسكري في منطقة تزداد فيها القوى الفاعلة وتزداد تعقيداتها.

الوجود الروسي وتراجع النفوذ السياسي في الشرق الأوسط

يعتبر تراجع النفوذ العسكري الروسي في سوريا جزءًا من أوسع صورة لتراجع قدرة روسيا السياسية في منطقة الشرق الأوسط. فعلى الرغم من الجهود التي بذلتها روسيا لتعزيز مكانتها في المنطقة عبر تدخلها العسكري في سوريا، فإن الوضع الراهن يشير إلى تراجع هذه القوة في ظل التغييرات السياسية المتسارعة. مغادرة بشار الأسد من دمشق قد تكون علامة على فقدان روسيا لأحد أهم حلفائها في المنطقة، وهو ما يهدد بتقليص قدرة موسكو على التأثير في الأحداث السورية.

إضافة إلى ذلك، فقد أكدت المتحدثة باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب جهود روسيا في جمع قواتها في سوريا، وهو ما يعكس تراجع قدرة روسيا على التأثير في المنطقة. في ضوء هذه التطورات، يبقى التساؤل مفتوحًا حول ما إذا كانت روسيا ستتمكن من استعادة قدرتها على التأثير في الأحداث السورية، أم أن الانسحاب التدريجي سيكون هو الخيار النهائي.

مستقبل العلاقة الروسية-السورية: التحديات والتحولات

إن التحديات التي تواجه روسيا في سوريا ليست مجرد ميدانية، بل هي أيضًا سياسية ودبلوماسية. فالتقارير حول تقليص الوجود العسكري الروسي في البلاد قد تشير إلى تحولات في العلاقات الروسية مع النظام السوري. على الرغم من الاتفاقيات الاستراتيجية بين البلدين، فإن التغيرات السياسية قد تفرض على موسكو إعادة تقييم استراتيجياتها في سوريا.

وفي الوقت ذاته، فإن سوريا تظل نقطة محورية في السياسة الروسية في الشرق الأوسط، حيث تسعى موسكو للحفاظ على وجودها في المنطقة رغم الضغوط المتزايدة. ومع ذلك، فإن مغادرة بشار الأسد من دمشق قد يمثل نقطة تحول كبيرة في العلاقة بين روسيا وسوريا، خاصة إذا تبين أن هذا يشير إلى تراجع موسكو عن دعم النظام السوري بشكل كامل.

الختام: التحديات المستقبلية

في النهاية، تبقى التساؤلات حول مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا مفتوحة. بينما تكشف التحركات العسكرية الحالية عن توجه نحو تقليص القوات الروسية، فإن التحديات السياسية والاقتصادية قد تفرض على موسكو اتخاذ قرارات صعبة بشأن استمرار وجودها في البلاد. ومع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية، يبقى السؤال حول مستقبل الدور الروسي في سوريا رهينًا بالتحولات المقبلة في موازين القوى في المنطقة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى