في تشاد، ما هي القوة الجوية التي يمتلكها محمد إدريس ديبي إيتنو بعد مغادرة الفرنسيين؟

صوت العرب 24 – حياة الحمراوي 

في 10 ديسمبر 2024، أقدمت فرنسا على سحب طائراتها الحربية من تشاد، وهو القرار الذي جاء بعد أن أعلنت الأخيرة في 28 نوفمبر 2024 عن إنهاء اتفاق التعاون العسكري مع باريس. هذا التحول غير المتوقع في العلاقات بين البلدين يثير العديد من التساؤلات حول قدرة تشاد على الدفاع عن نفسها بشكل مستقل في ظل التهديدات المتزايدة من الجماعات المسلحة والمتمردين في منطقة الساحل. لا شك أن هذا التغير في الموقف يعكس تغيرات سياسية عميقة في المنطقة، بالإضافة إلى المخاوف من أن تؤدي هذه الخطوة إلى تغيير جذري في التوازنات الأمنية في المنطقة.

تاريخ التعاون العسكري بين فرنسا وتشاد

لعقود من الزمن، كانت فرنسا أحد أبرز الحلفاء العسكريين لتشاد، حيث قدمت الدعم الواسع في مجالات التدريب العسكري، والمعدات، والعمليات المشتركة ضد الجماعات المسلحة في منطقة الساحل. لطالما كانت تشاد، التي تقع في منطقة استراتيجية بين شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، نقطة محورية في مكافحة الإرهاب والصراعات الداخلية في غرب ووسط إفريقيا. منذ بداية القرن الواحد والعشرين، اعتمدت تشاد بشكل كبير على الدعم العسكري الفرنسي لمواجهة تحديات متمردين مختلفين، بالإضافة إلى دور فرنسا في عمليات حفظ السلام في المنطقة.

تعاون فرنسا مع تشاد بدأ بشكل أساسي بعد اندلاع الحرب الأهلية التشادية في الثمانينات، حيث كانت القوات الفرنسية تشارك في عمليات لحماية الحكومة التشادية في مواجهة المتمردين المدعومين من ليبيا. على مر السنين، أصبحت فرنسا شريكًا استراتيجيًا لتشاد في محاربة الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل، حيث قدمت باريس الدعم اللوجستي، الاستخباراتي، والعمليات العسكرية ضد الجماعات الجهادية في المنطقة.

القرار المفاجئ: إنهاء اتفاق التعاون العسكري

في 28 نوفمبر 2024، فاجأت حكومة تشاد المجتمع الدولي بإعلانها عن إنهاء اتفاق التعاون العسكري مع فرنسا. هذا القرار كان مفاجئًا بالنظر إلى الروابط التاريخية بين البلدين، ولكن كان في الوقت ذاته متوقعًا بعض الشيء في ضوء التصاعد الكبير في مشاعر المعارضة للوجود الفرنسي في المنطقة، خاصة بين شعوب بعض الدول الإفريقية. خلال السنوات الأخيرة، كان هناك انتقادات متزايدة في العديد من الدول الإفريقية ضد التدخلات العسكرية الفرنسية، التي كانت تعتبر تدخلات استعمارية جديدة من قبل البعض.

على الرغم من أن العلاقات بين تشاد وفرنسا كانت قد شهدت توترات معينة في السنوات الأخيرة، إلا أن سحب القوات الفرنسية جاء في وقت حساس، حيث تواجه تشاد تهديدات أمنية كبيرة من الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، والتي تسعى إلى زعزعة استقرار الحكومة التشادية. وقد أكد الرئيس التشادي، محمد إدريس ديبي إيتنو، في تصريحات علنية أن هذا القرار جاء نتيجة للضغوط الشعبية الداخلية، بالإضافة إلى محاولات الحكومة التشادية للانتقال نحو سياسة خارجية أكثر استقلالية.

تداعيات انسحاب القوات الفرنسية

القدرة العسكرية التشادية والتحديات المستقبلية

تعتبر القوات المسلحة التشادية من بين الأكثر قوة في منطقة الساحل، لكنها تظل معتمدة بشكل كبير على الدعم الفرنسي في بعض المجالات الحيوية. على الرغم من أن تشاد تمتلك قوات جوية جيدة مقارنة ببعض جيرانها، فإنها تواجه تحديات كبيرة في مجال تعزيز قدراتها الدفاعية بشكل مستقل بعد سحب الدعم الفرنسي.

تعتبر القوات الجوية التشادية، التي تشمل طائرات ميغ-29، ميراج F1، وطائرات هليكوبتر هجومية وطائرات نقل مثل C-130 هيركوليس، أحد الركائز الأساسية للدفاع الوطني التشادي. في ظل الدعم الفرنسي، كانت القوات الجوية قادرة على تحديث طائراتها وصيانة المعدات التي توفرها فرنسا. ولكن مع سحب الدعم الفرنسي، أصبح من غير الواضح مدى قدرة القوات التشادية على الحفاظ على هذه المعدات بشكل فعال.

أحد أبرز التحديات التي ستواجهها تشاد في هذا السياق هو نقص الدعم اللوجستي الضروري للصيانة المستمرة لهذه الطائرات. كما أن الطيارين التشاديين الذين تدربوا في فرنسا قد يواجهون صعوبة في الوصول إلى التدريب المستمر الذي كان يتوفر لهم في ظل التعاون العسكري الفرنسي.

زيادة الاعتماد على شركاء جدد

من أجل الحفاظ على جاهزية قواتها الجوية، سعت تشاد إلى تعزيز شراكاتها مع دول أخرى مثل روسيا، والإمارات العربية المتحدة، والسودان. هذه الدول تقدم لها بعض الدعم في شكل قطع غيار وتدريب عسكري. إلا أن هذه الشراكات لا تزال غير كافية لتغطية الفجوة التي خلفها انسحاب القوات الفرنسية. وستحتاج تشاد إلى تنويع تحالفاتها العسكرية بشكل أكبر لتأمين احتياجاتها الدفاعية في المستقبل.

المخاطر المرتبطة بالانسحاب الفرنسي

مع انسحاب فرنسا، يبرز سؤال حول ما إذا كانت تشاد قادرة على مواجهة التهديدات العسكرية التي قد تأتي من المتمردين أو الجماعات المسلحة التي تنشط في المنطقة. على الرغم من أن الجيش التشادي يمتلك قدرة قتالية معقولة، فإن غياب الدعم الفرنسي قد يتركه في مواجهة تحديات عسكرية كبيرة.

هناك أيضًا مخاوف بشأن الاستقرار الداخلي لتشاد في ظل التوترات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد. وتزيد هذه المخاوف في ضوء عودة ظهور الجماعات الجهادية التي قد تستفيد من الفراغ الأمني الناجم عن سحب القوات الفرنسية.

الدور المحتمل للقوى الدولية الأخرى

في ظل التغيرات التي تشهدها منطقة الساحل، من المتوقع أن تسعى قوى دولية أخرى، مثل روسيا والصين، إلى ملء الفراغ الذي تركه الانسحاب الفرنسي. روسيا، على وجه الخصوص، قد تكون لها مصلحة في تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، خاصة في الدول التي تشعر بالإحباط من السياسة الغربية.

من جهة أخرى، قد تسعى بعض الدول الإفريقية، مثل الجزائر والمغرب، إلى تعزيز دورهم في عمليات مكافحة الإرهاب في الساحل. ستكون هذه الخطوات حاسمة في تحديد المستقبل الأمني للمنطقة، وخاصة في ظل التهديدات المستمرة من الجماعات المتشددة مثل داعش والقاعدة.

الأبعاد السياسية والاقتصادية

لا شك أن قرار سحب القوات الفرنسية من تشاد له تبعات سياسية كبيرة، ليس فقط بالنسبة للعلاقات بين باريس ونجامينا، بل على مستوى العلاقات بين تشاد والدول الغربية عمومًا. هذا القرار يعكس تغيرًا في السياسة الخارجية التشادية التي تتجه نحو تحقيق المزيد من الاستقلالية في اتخاذ قراراتها العسكرية والسياسية.

من ناحية اقتصادية، قد يؤدي انسحاب فرنسا إلى تقليص التعاون الاقتصادي بين البلدين. فرنسا كانت أحد أكبر شركاء تشاد التجاريين والمستثمرين في قطاعات حيوية مثل النفط والمعادن. هذا التحول في العلاقات قد يؤثر على الاستثمارات الفرنسية في تشاد، بالإضافة إلى تأثيره المحتمل على قدرة تشاد في جذب استثمارات جديدة من الغرب.

الخلاصة: مستقبل العلاقات التشادية الفرنسية

في الختام، إن قرار تشاد بإنهاء التعاون العسكري مع فرنسا يمثل نقطة تحول هامة في السياسة الإقليمية والدولية في منطقة الساحل. ورغم أن هذا القرار يعكس تطورًا طبيعيًا في العلاقات بين البلدين بعد سنوات من التعاون، إلا أن التحديات الأمنية والاقتصادية التي قد تواجهها تشاد في المستقبل ستظل قائمة.

بالتوازي مع هذا التحول، ستظل تساؤلات كبيرة حول قدرة تشاد على الحفاظ على أمنها الوطني في ظل غياب الدعم الفرنسي. وإذا كانت تشاد قادرة على تعزيز قدراتها الدفاعية والتعاون مع قوى دولية أخرى، فقد يكون ذلك بمثابة نقطة انطلاق لمستقبل جديد يتسم بالاستقلالية الأمنية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى